بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 5 يونيو 2013

نبذة عن السريالية 

......................................................................

 

 

بائعة البرتقال - رسم عمار سالم

  

  .......................................

لكلمة"السريالية" وقع خاص في نفوس الكثير من المثقفين العرب,ورغم ان الكثير منهم لا يعرف خلفيات السريالية كحركة فكرية وسياسية تتعدى مجرد كونها اسولبا او مدرسة فنية او ادبية ,فان مصطلح "السريالية" بما كان يشكله في الترجمة العقلية من "انسياب" وو"تميع" و"لا واقعية" جسدته لوحات الفنانيين السرياليين ,قد اعطى لذلك المصطلح معناه بشتى اللغات حتى دون ان يتعب علماء اللغة في العربية او غيرها من اللغات انفسهم للبحث عن مصطلح "محلي" يمكن ان يغنيهم عن استخدام كلمة "السريالية"!!, ولذلك فانا -شخصيا- لم اعثر على مصطلح او كلمة عربية يمكن ان استخدمها للاشارة الى ما تشير اليه كلمة"السريالية" من مفاهيم ودلالات,فعمدت الى استخدامها باعتبارها كلمة "معربة",فان كان هنالك من يملك كلمة عربية معبرة او موازية في المعنى او حتى في "الجرس" لمصطلح السريالية,فليته يسعفنا به!!.فلا اظن ان الفقر في لغتنا العربية,وانما الفقر فينا نحن الذين عجزنا عن نحتها وابتكار كلماتها ومعانيها.
في هذه المدونة سوف نستعرض بعض ما قيل عن السريالية سلبا او ايجابا,دون تمحيص او تدقيق ,والغاية هي عرض اكبر عدد من الاراء بانتظار تكوين الارضية المشتركة التي سوف ننطلق منها لتشكيل مفهومنا الموحد.
والبداية مع هذا البحث المقتضب:


الســريالية

إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

التعريف :

 = السريالية "أي ما فوق الواقعية أو ما بعد الواقع" هي مذهب(*) أدبي فني فكري، أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع أو بعده واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وهي تسعى إلى إدخال علاقات جديدة ومضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام؛ سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، ومن هواجس عالم الوعي واللاوعي على السواء، بحيث تتجسد هذه الأحلام والخواطر والهواجس المجردة في أعمال أدبية. وهكذا تعتبر السريالية اتجاهاً يهدف إلى أبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف.

 يعتبر مسرح العبث الابن الشرعي للسريالية.

التأسيس وأبرز الشخصيات :

 = في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصابت الإنسان الأوروبي صدمة هزت النفوس وبلبلت الأفهام، نتيجة للدمار الكامل وإزهاق الأرواح بلا حساب، فنشأت نزعة جارفة للتحلل من القيم الأخلاقية(*)، وتحرير الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وامتدت هذه النزعة إلى الفن والأدب مما أدى إلى ظهور المذهب المعروف بالسريالية في فرنسا سنة 1924م التي بدأت بالسريالية النفسية، ثم دخلت السريالية مجالات الأدب والاجتماع والاقتصاد(*) والفن، ومن أبرز الشخصيات السريالية:

 - أندريه بريتون 1896 – 1966م وهو عالم نفس وشاعر فرنسي يعده النقاد مؤسس السريالية.

 - ثورنتون وأيلور وهو كاتب مسرحي، ألف مسرحية جلد الإنسان بين الأسنان سنة 1942م، وهي مسرحية تجنح إلى الخيال والعنف الناتج عن اللاشعور عند شخصيات المسرحية.

 - سلفادور دالي ولد سنة 1904م وهو رسام أسباني، ويعد من أبرز دعاة السريالية، وقد أضاف إليها إضافات كثيرة أبرزها أسلوبه الذي تميز به الذي دعاه "النقد المبني على الهلوسة" وكان يؤكد دائماً أنه أقرب إلى الجنون منه إلى الماشي نوماً، والمعرفة عنده تقوم على التداعي والتأويل.

الأفكار والمعتقدات:

 = يمكن إجمال أفكار ومعتقدات السريالية فيما يلي:

 - الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية: مثل الأحلام والأخيلة.

 - الكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، والبعيدة عن رقابة العقل، بدعوى أن الكلمات في اللاوعي لا تمارس دور الشرطي في رقابته على الأفكار، ولهذا تنطلق هذه الأفكار نشيطة جديدة.

 - إهمال المعتقدات والأديان(*) والقيم الأخلاقية(*) السائدة في المجتمع.

 - التركيز على الجانب السياسي والبحث عن برنامج وضعي (مادي ومحسوس) يصلح لتطوير المفاهيم الاجتماعية، لذلك تودد السرياليون للحزب الشيوعي، وبذلوا جهدواً كبيرة من أجل توسيع مجال تطبيق المادية الجدلية الماركسية(*).

 - الثورة لتغيير حياة الناس، وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وشملت الثورة ثورة على اللغة التقليدية، وإحداث لغة جديدة.

 - تزيت السريالية بأزياء مختلفة، فتارة تظهر كمجموعة من السحرة، وتارة تبدو كعصابة من قطاع الطرق، وتظهر تارة أخرى كأعضاء في خلية ثورية فهي حركة سرية هدفها تقويض الوضع الراهن.

 - ويعد الغموض في التعبير الأدبي أو الفني في مجال الرسم، هدفاً ثابتاً للسرياليين.

الجذور الفكرية والعقائدية:

 = تأثرت السريالية بآراء فرويد عالم النفس اليهودي في تحليله للنفس الإنسانية وخاصة تلك التي تتحدث عن اللاشعور والأحلام، والكبت ودعوته إلى تحرير الغرائز الإنسانية والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وإشباع الغرائز والرغبات إشباعاً حراً حتى لا تصاب بالأمراض النفسية كما يدَّعي. وهذه الآراء تتلاءم مع دعوتهم إلى التحلل الأخلاقي في المجتمع البشري.

 = وكذلك تأثرت السريالية بالفكر الماركسي الشيوعي ودعوته إلى الثورة(*) لتغيير المجتمع، واستخدام العنف في سبيل ذلك.. وبظهور المزاج الثوري حلت الفوضى السياسية والصراع الكامل محل النظام والانسجام.

 = وقد تأثرت السريالية أيضاً بحركة سبقتها تُدعى الدادية التي ولدت في زيورخ بسويسرا سنة 1916م. وهي حركة فوضوية تكفر بالقيم السائدة والمعتقدات والتقاليد الاجتماعية وتدعو إلى العودة إلى البداية. ورائد هذه الحركة هو ترستان تزارا الذي يصفه كاتب أوروبي بأنه "المروِّج للفوضوية الفنية والاجتماعية".

 ولذا عد النقاد أن السريالية وريثة هذه الحركة الدادية في أفكارها وتوجهاتها وأسلوبها.

= بداية السريالية ونهايتها:

 - بدأت السريالية بمجال النفس البشرية، ثم دخلت مجالات الأدب والفكر والسياسة والاجتماع والفن، ثم اقتحمت بشذوذها الثوري مجال العقيدة الدينية والتقاليد الاجتماعية واللغة، وأثارت جدالاً عنيفاً بين أقصى الكاثوليكية في الغرب وأقصى الشيوعية في الشرق.

 - وأخذت السريالية في الانكماش والتقوقع بعد ربع قرن من نشوئها، وشعر دعاتها بعجزهم عن تحقيق أي هدف، وبعقم ثورتهم ضد القيم والمعتقدات الدينية، وإخفاقهم في إيجاد مسيحية(*) جديدة، تخلص الإنسان من عذابه وضياعه – حسب زعمهم – وتحول عددٌ منهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى الشيوعية والإلحاد، وجُنَّ بعضهم وأدخل المصحات العقلية والنفسية، وتحول البعض الآخر إلى العبثية في الأدب المعبر عن انعدام المعنى العام وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر.

 - أما أفكارها ومبادئها فقد تبناها مذهب الحداثة الأدبي الفكري حيث صبت جميع جداول السريالية في مستنقعه الكبير.

 وهكذا انتهت السريالية، المعبرة عن فقدان الإنسان الغربي العقيدة الصحيحة، واعتماده على ضلالات فرويد النفسية في اللاشعور والأحلام. هذه الضلالات التي أدت إلى التحلل الأخلاقي وإطلاق الغرائز من عقالها، مما أودى بها بعد ربع قرن من نشوئها.

ويتضح مما سبق:

 أن السريالية مذهب(*) أدبي فني فكري غير ملتزم بالأديان(*)، يهدف إلى التحلل من واقع الحياة الواعية، والرنو إلى واقع آخر هو واقع اللاوعي أو اللاشعور المكبوت في النفس البشرية، بحيث يتم تسجيل هذا الواقع في الأدب والفن، من خلال الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية والكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، وإهمال الأديان والمعتقدات والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، والتركيز على الجانب السياسي وإذكاء الثورة(*) لتغيير حياة الناس وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وتقويض الوضع القائم في المجتمع. وكل تلك الخصائص والغايات تبرر مدى خطورة مثل هذا المذهب الأدبي على القيم الدينية.

 -----------------------------------------------------------
مراجع للتوسـع :
 - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض 1405هـ.
 - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر، دار الشعاع، الكويت.
 - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
 - الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور.
 - السريالية، إيف دوبليس (سلسلة زدني علماً).
 - الأدب الرمزي، هنري بير.

 المراجع الأجنبية:
 - Braunschvig: Notre litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949.
 - Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris 1961.
 - Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europeene 1959.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق